محرز بن خلف في عصره وعصرنا

موقع : قاعة المحاضرات الطاهر حداد بدار الكتب الوطنية
فئة : ندوة
  • - Le 28/01/2023 à 09:30
كلمة د. رجاء بن سلامة، المديرة العامّة لدار الكتب الوطنيّة

في افتتاح ندوة الألفيّة الميلاديّة لمحرز بن خلف

صباح الخير

مرحبا بكم جميعا.

سعيدة جدّا باستقبالكم في دار الكتب الوطنيّة للاحتفال بالألفية الميلاديّة لمحرز بن خلف المتوفّى سنة 1022 م، بعد احتفال سابق بألفيته الهجريّة التي كانت في ســــــنة 1413 ه وتقابلها سنة 1993 م. وكانت ثمرة الاحتفال بالألفية الهجريّة هذا الكتاب الجماعيّ الذي صدر في جانفي 1994 تحت عنوان "الإمام محرز بن خلف رائد التّسامح ومقاومة التّطرّف"، وقد تمّ تصديره بكلمة للرّئيس الراحل زين العابدين بن علي في افتتاح مؤتمرحزبيّ هو "مؤتمر الإنقاذ" يوم 29 جويلية 1988. وهذا التّصدير لا ينقص من قيمة الأبحاث التي تضمّنها الكتاب، لكنّه يبسط ضلاله عليها، ويؤطّرها.

رحّبت بفكرة تنظيم الألفيّة الميلاديّة لمحرز بن خلف، وقد نبعت من الأستاذ عبد لعزيز الدّولاتلي (إضافة إلى مقترحات أخرى مفيدة للتراث في بلادنا جدّا سنعمل على إنجازها). فأنا أعتقد أنّ تونس ما بعد 2011قد ترسّخت فيها شروط التّباحث الحرّ وشروط إعادة النّظر في المرويّات التّقليديّة والسّرديّات السّياسيّة التي صيغت مع بناء الدّولة التّونسيّة بعد الاستقلال وربّما قبله. فلو قيّض لمؤسّسة وطنيّة اليوم أن تنشر كتابا آخر عن محرز بن خلف، فإنّها لن تضطرّ إلى استهلاله بخطاب سياسيّ من خطابات المالك بزمام السّلطة، ولن توظّف عنوانه، على الأقلّ، في خدمة هذه السّلطة. هذا البحث الحرّ في التّاريخ كان متوفّرا في الجامعة التونسيّة في الحقيقة، حتّى ننصف جامعتنا ومؤرّخينا، ولكنّه الآن يمكن أن يخرج من أسوار الجامعة ويمكن أن يولّد نقاشا علميّا ومواطنيّا في الوقت نفسه. وأنا أقدّر أن مثل هذه اللّقاءات المفتوحة في قاعة الطّاهر الحدّاد والمفتوحة على الأنترنيت قد تمكن من إيجاد المسالك والممرّات بين البحث العلميّ الجامعيّ والمواطنين. وقد تعلّمت من التّحليل النّفسيّ درسا حياتيّا ومعرفيّا مهمّا هو أنّ إيجابيّات مواجهة الحقيقة والبحث فيها أهمّ بكثير من سلبيّاتها، فالحقيقة تحرّر الإنسان من مكبوتاته، وتضعه وجها لوجه أمام صدماته وهزّات كيانه، وتجعله قادرا على تجاوز كبواته.

وقد تأكد هذا المنطلق المبدئيّ بأسئلة مخصوصة ودقيقة جعلتني أرحّب أيضا بفكرة الألفية الميلاديّة لمحرز بن خلف. فنحن منغمسون في المكتبة منذ أكثر من سنتين في إعداد " متحف التراث المكتوب "، وطيلة هذه المدّة تثار في ذهني وأذهان العاملين معي على هذا المشروع أسئلة كثيرة عن الفترة الصنهاجيّة التي كانت مزدهرة ثقافيّا قبل خراب القيروان. ما سرّ الرّفض الكبير للتّشيّع الذي نجد له صدى في كتب الأدب نفسها، و"أنموذج الزّمان في شعراء القيروان" لابن رشيق مثال لها ؟ ما الذي حدث تاريخيّا وبعيدا عن كلّ انحياز مذهبيّ وكلّ نزعة تمجيديّة أو قدحيّة، وبعيدا كذلك عن كل إسقاط للواقع المعاصر على الماضي؟ فمفهوم "التّسامح" مثلا ظهر في سياق أوروبّيّ حديث ولا يمكن أن ننسبه بسهولة إلى من عاش في العصر الإسلاميّ الوسيط. وربّما هذا ما جعلنا نفصل في عنوان ندوتنا بين "عصر" محرز بن خلف و"عصرنا". صورة محرز بن خلف المخلّص المنقذ السّائدة إلى اليوم والتّاركة بصمتها في أمثالنا، بحيث نقول "يحرز محرز وإلا كانت تونس غرقت" أليست مكوّنا من مكوّنات خطاب المنتصر الذي يكتب التّاريخ؟ ماذا يمكن أن نقول اليوم عن مقتل "الروافض" أو "المشارقة" وخاصّة في سنتي 407 و435 هجرية؟
سيتحدّث اليوم مؤرّخون ومختصون كبار آمل أن أجد صدى لأسئلتي هذه في مداخلاتهم، وأنا أشكرهم جميعا على الحضور وتلبية الدّعوة. كما أشكر الأستاذ عبد العزيز الدولاتلي على مساهمته العلمية في تنظيم هذه الندوة، بصفته مؤرّخا مختصّا في مدينة تونس وبصفته رئيسا لجمعيّة " معالم ومواقع ". أشكر كذلك مؤسّسة التلفزة الوطنية على التعاون، رغم أن الروبرتاج الذي طلبناه منها (إخراج منصف المكشّر ونصّ عبد العزيز الدولاتلي) لم يرقمن بعد. وقد مدتنا التلفزة بنسخة من برنامج آخر حول مسجد سيدي محرز، سنعرض منه بضعة دقائق.




تحميل ... التخصيب